الأحد، 24 مايو 2015

جزء من التاريخ الاندلسي ...فوزي سعد الله


في مثل هذه الأيام، نُفي 30 ألفًا من ثوّار جبال البشارات الأندلسية إلى الجزائر
بعد فشل ثورة جبال البشارات الكبرى التي فجَّرها أحفاد الأندلسيين، الملقبون بـ: "الموريسكيون"، بقيادة محمد بن أمية نهاية عام 1568م، قُتِل مَن قُتِل وأُسر مَن أُسِر، وسُبيتْ النساء والأطفال وامتلأتْ بهم أسواق العبيد الإسبانية، لا سيَّما ابتداءً من مثل هذه الأيام الأخيرة من شهر مايو من العام 1570...
أكثر من 90 بالمائة من الأشخاص الذين بيعوا كعبيد في مدينة غرناطة كانوا موريسكيين ينتمون إلى هذه المملكة الغرناطية السابقة، لا سيما من جبال البشارات (ومن مَارْكِيزَةِ (مُقَاطَعَةِ ndlr)) دِي ثِينِيتْ (Marquisat de Cenete) ، وهي الفضاء الجغرافي الذي كان تواجدهم به كثيفا. (...) وعلى كلٍّ، كان الموريسكيون في اللاَّوعي الجماعي للمجتمع المسيحي للقرن 16م يُعتبَرون امتدادا لمسلمي إفريقيا وتمّ القبضُ عليهم بِرِضَا السلطات" .
وتوافقت هذه النزعة العامة لدى الإسبان أو "المسيحيين القدماء" مع ترويج الأدب الإسباني ابتداءً من الفترة التي حدثت فيها ثورة البشارات الثانية الصورة النمطية السلبية المُشيْطَنة للموريسكي في الأذهان وترسيخها في المخيال الجماعي ليصبح طيلة قرون، بل إلى غاية بداية النصف الثاني من القرن 20م، رمزا للشرِّ والنفاق والعداء للديانة المسيحية وأهلها ومرادفا للُّصُوصية والخيانة والهمجية حتى ولو كان في هذه الفترة من القرن 16م ما يجمع بين الموريسكي والإسباني المسيحي القديم أكثر مما يفرق بينهما بسبب الموطن والتاريخ والثقافة الإسبانية المشتركة رغم التباينات المرتبطة باختلاف الديانات.
كل ذلك ساهم في تبرير استعباد الثوار الموريسكيين والموالين لهم ونسائهم وأطفالهم من طرف "المسيحيين القدماء" وعلى رأسهم عسكر الإمبراطور فيليب الثاني.
وعلى كلٍّ، أعطت ثورة البشارات الكبرى فرصة لـ: "المسيحيين القدماء" للإثراء من استغلال الثوار الموريسكيين الذين حُوِّلوا، بغير حق أخلاقي أو قانوني ، إلى عبيد كأحد أهم وسائل الإنتاج، بالمعنى الماركسي للكلمة، في مختلف المجالات الاقتصادية. كما أصبح هؤلاء البؤساء سِلعةً تجري المتاجرة بها عبْر إعادة بيعهم بأثمان باهظة لم تكن دائما في متناول طالبيهم ولا الذين كانوا يحاولون فديتهم بشكل مُعلَن أو غير مُعلَن، لأن الفدية لم تكن مقبولةً، كأهاليهم و أقاربهم وأصدقائهم والمُحسنين الذين كثيرا ما اضطروا لفقرهم أن يتعاونوا جماعيا لأجل جمع مبلغ الفدية وشراء حرية عزيزٍ أو عزيزةٍ عليهم، قد يكونوا أبًا أو عمًّا أوجًّدا أو أمًّا أو شقيقًا، وقد يكونوا أطفالاً في عُمر الزُّهور. ولم يكن هذا الحُلم ليتحقق أحيانا إلا بشق الأنفس وعلى مدى سنوات طِوال، كما قد لا يتحقق أبدأ...
كانت هذه الحقبة حقبة شقاء بالنسبة للموريسكيين، يمكن أن نعثر خلالها على ما لا يُحصى من حالات استنزاف أبويْن متواضعيْ الحال جزءا هامًّا من عُمْرهم في البحث عن أطفالهم الذين جرفتْهُم أحداثُ الحرب وهم أحرار لترسي بهم خدمًا وعبيدا في بيوت "المسيحيين القدماء" وحقولهم، مثلما وُجِدَتْ حالات أطفال بؤساء عَثروا على أوليائهم بعد بحثٍ شاقٍّ وطويل في مناطق لم يتصوروا أبدا وصولَهم إليها وفي أوضاع لا تقل عن أوضاعهم بؤسًا وشقاءً بما فيها الوقوع في الأَسْر والاستعباد.
آنْدْرِيسْ دي مورالِيسْ اضطر إلى قطع مسافة بعيدة من إشبيلية إلى آلْكَارَاثْ (Alcaraz) لفديةِ أمِّه مَارِيَّا التي كانت في الخمسينيات من العمر بعد أن بلغتْهُ أخبارُ وقوعها في الاستعباد لدى ماريا غْوِيريرُّو إحدى نساء الأرستقراطية المحلية، يقول فرانسيسكو مورينو دِيَاثْ، الذي يَذْكُر أيضا حالةً مُؤلمةً عاشتْها مَارِيَّا لُوبِيثْ الموريسكية التي قاسَتْ الأهوالَ من أجل التوصل إلى فدية ابنِها الذي وقع في الأسْر .
وخاضت الموريسكية الغرناطية إزابيل دي مُرْثِيَّة (Isabel de Murcia) كل الخطوب واجتازت كل المخاطر والصعوبات طيلة 10 أعوام من أجل إنقاذ فلذة كبدها وابنتها كِيتِيرْيَة (Quitteria) التي وَقَعَتْ في الأسْر والاستعباد في سِنِ العشرين. ونجمتْ معاناةُ إيزابيل خلال هذا الجهاد طويل النَّفَس عن ضعف إمكانياتها المادية ولكونها أرْملة في الوقت ذاته لا حول ولا قوة لها. لكنها نجحتْ بالصبر والمثابرة في تخليص ابنتها من العبودية بفضل 10 أعوام من التوفير والاقتصاد وأيضا بمساعدة مزارع موريسكي لِتَعُودَ كيتيرية إلى البيت وقد بلغت من العمر 30 عاما....
في يوم 15 يونيو/حزيران 1570م، وبعد تفاوض شاق مع السلطات الإسبانية، سمحتْ هذه الاخيرة لـ: 30 ألف مقاتل أندلسي من ثوار البشارات بمغادرة أرض آبائهم وأجدادهم الأندلس وألا يعودوا إليها أبدا.
حينها تدخل الباب العالي، بواسطة القوات البحرية الجزائرية، بتوفير السفن التي نقلتهم إلى الجزائر في يوم 15 يونيو/جوان 1570م عندما تعذّر التدخل في الوقت المناسب لنصرتهم عسكريا وفك الحصار عليهم في معاقلهم من طرف القوات المَلكية الإسبانية....
هؤلاء الرجال اندمجوا وأصبحوا جزائريين...وهم إلى اليوم في الجزائر...ولو نسينا ذلك...
المصدر: فوزي سعد الله: الشتات الأندلسي في الجزائر....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...